فرض الصلوات خمسين فرض الصلوات خمسين
فصل وأما فرض الصلوات خمسين ثم حط منها عشرا بعد عشر إلى خمس صلوات . وقد روي أيضا أنها حطت خمسا بعد خمس وقد يمكن الجمع بين الروايتين لدخول الخمس في العشر فقد تكلم في هذا النقص من الفريضة أهو نسخ أم لا ؟
على قولين فقال قوم هو من باب نسخ العبادة قبل العمل بها ، وأنكر أبو جعفر النحاس هذا القول من وجهين أحدهما البناء على أصله ومذهبه في أن العبادة لا يجوز نسخها قبل العمل بها ، لأن ذلك عنده من البداء والبداء محال على الله سبحانه .
الثاني : أن العبادة إن جاز نسخها قبل العمل بها عند من يرى ذلك فليس يجوز عند
أحد نسخها قبل هبوطها إلى الأرض ووصولها إلى المخاطبين قال وإنما ادعى النسخ في هذه الصلوات الموضوعة عن محمد وأمته القاشاني ، ليصحح بذلك مذهبه في أن البيان لا يتأخر ثم قال أبو جعفر إنما هي شفاعة شفعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأمته ومراجعة راجعها ربه ليخفف عن أمته ولا يسمى مثل هذا نسخا .
قال المؤلف أما مذهبه في أن العبادة لا تنسخ قبل العمل بها ، وأن ذلك بداء فليس بصحيح لأن حقيقة البداء أن يبدو للآمر رأي يتبين له الصواب فيه بعد أن لم يكن تبينه وهذا محال في حق من يعلم الأشياء بعلم قديم وليس النسخ من هذا في شيء إنما النسخ تبديل حكم بحكم والكل في سابق علمه ومقتضى حكمته كنسخه المرض بالصحة والصحة بالمرض ونحو ذلك وأيضا بأن العبد المأمور يجب عليه عند توجه الأمر إليه ثلاث عبادات الفعل الذي أمر به والعزم على الامتثال عند سماع الأمر واعتقاد الوجوب إن كان واجبا فإن نسخ الحكم قبل الفعل فقد حصلت فائدتان العزم واعتقاد الوجوب .
وعلم الله ذلك منه فصح امتحانه له واختباره إياه وأوقع الجزاء على حسب ما علم من نيته وإنما الذي لا يجوز نسخ الأمر قبل نزوله وقبل علم المخاطب به والذي ذكر النحاس من نسخ العبادة بعد العمل بها ، فليس هو حقيقة النسخ لأن العبادة المأمور بها قد مضت وإنما جاء الخطاب بالنهي عن عملها لا عنها ، وقولنا في الخمس والأربعين صلاة الموضوعة عن
محمد وأمته
أحد وجهين إما أن يكون نسخ ما وجب على النبي صلى الله عليه وسلم من أدائها ورفع عنه استمرار العزم واعتقاد الوجوب وهذا قد قدمنا أنه نسخ على الحقيقة ونسخ عنه ما وجب عليه من التبليغ فقد كان في كل مرة عازما على تبليغ ما أمر به وقول أبي جعفر إنما كان شافعا ومراجعا ينفي النسخ فإن النسخ قد يكون عن سبب معلوم فشفاعته عليه السلام لأمته كانت سببا للنسخ لا مبطلة لحقيقته ولكن المنسوخ ما ذكرنا من حكم التبليغ الواجب عليه قبل النسخ وحكم الصلوات الخمس في خاصته وأما أمته فلم ينسخ عنهم حكم إذ لا يتصور نسخ الحكم قبل بلوغه إلى المأمور كما قدمنا ، وهذا كله
أحد الوجهين في الحديث .
والوجه الثاني أن يكون هذا خبرا لا تعبدا ، وإذا كان خبرا لم يدخله النسخ ومعنى
الخبر أنه عليه السلام أخبره ربه أن على أمته خمسين صلاة ومعناه أنها خمسون في اللوح المحفوظ وكذلك قال في آخر الحديث
هي خمس وهي خمسون والحسنة بعشر أمثالها
فتأوله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أنها خمسون بالفعل فلم يزل يراجع ربه حتى بين له أنها خمسون في الثواب لا بالعمل .
فإن قيل فما معنى نقضها عشرا بعد عشر ؟ قلنا : ليس كل الخلق يحضر قلبه في الصلاة من أولها إلى آخرها ، وقد جاء في الحديث أنه يكتب له منها ما حضر قلبه فيها ، وأن العبد يصلي الصلاة فيكتب له نصفها ربعها حتى انتهى إلى عشرها ، ووقف فهي خمس في حق من كتب له عشرها ، وعشر في حق من كتب له أكثر من ذلك وخمسون في حق من كملت صلاته وأداها بما يلزمه من تمام خشوعها وكمال سجودها وركوعها