حفيدة إسماعيل صدقي باشا، رئيس الوزراء المصري في النصف الثّاني من الأربعينيات، الدكتورة أمينة رشيد أستاذة الأدب المقارن في جامعة القاهرة، تحكي تجربتها داخل السجن برؤيته مزيجا من القمع والحرية.
وتؤكد أن السجن تجربة قمع، صحيح هناك من خرجوا مبدعين وأدباء ولكن ليس كل من دخل السجن خرج مبدعا، فالسجن تعطيل بمعني أو بآخر سواء لمشروع خاص أو عام.
وتروي د. أمينة: عندما سجنت كانت لدي صورة رومانسية لبطولات السجن ومقاومته وتجربة شىء جديد لكنه كان صعبا وأصعب ما واجهته عندما نقلوني من الجامعة والتي أحبها والتدريس فيها والطلبة وتساءلت ماذا أفعل عندما أخرج بدون عملي؟.
وعن السجن تقول: أول شىء وصلني كانت الرائحة الكريهة للسجن، وعندما خرجت لم استطع ارتداء ملابسي التي دخلت بها حيث ظلت تلك الرائحة ملتصقة بها، واستطيع أن أتذكرها دائما، وأشارت إلي أن بالسجن وسائل مختلفة للقمع منها البدني والمعنوي، حتي يصبح المواطن هو الذي تريده السلطة وليس المناضل.
وعن التجربة الثرية والحرية تقول د. أمينة أن كل منا لديه مشروع في حياته يمكن السجن يقويه أو يدمره، فالسجن تجربة توحد مع الذات وتواصل مع أخرين في نفس الوقت، وعن نفسي اتأرجح في حياتي بين المثال والواقع، بين بناء واقع عبر القراءات، وإخفاق الإنسان واصطدامه بالجدران الصلدة للحياة.
وتتذكر: في السجن واجهتني الرائحة الكريهة التي تصاحب كل شىء يمر به المعتقل، من جدران رمادية قذرة، وحزن غروب الشمس، ودخول النهار المفاجىء في الليل، ثم الليل الثقيل حيث الأرق أو السقوط في نوم غريب بلا قرار بلا أحلام.
جانب من الندوة
تعلمت كيف أنشل
وتوضح أستاذة الأدب المقارن: كنا مشغولين جدا بالسجن في الصباح نقاوم ونطالب ونتشاجر مع الإدارة ونعيد طبخ الأشياء.. استطعنا أن نضحك فالدكتورة لطيفة الزيات مثلا كانت ظريفة جدا وأتذكر في أول ليلة سمعنا صوت ينادي "يا أم فاطمة" ولا نعرف من هي فوجدت لطيفة تسأل أين نحن قلت لها في السجن، مشيرة إلي اختلاف سجن النساء عن الرجال حيث توضع السياسيات مع القاتلات والسارقات والقوادات والناشلات، "فعلمونا مثلا كيف ننشل".
وتضيف: هناك الصورة النمطية لمسئول السجن وكان هذا موجودا بالفعل، لكن ما فزعنا كان الزيف فطوال الوقت الكل يكذب، يقال لنا أشياء ثم تحدث أشياء أخري تماما.. كذلك مسألة عدم معرفتنا لسبب اعتقالنا وعلمنا تدريجيا أنه تم اعتقال المئات من كل الأطياف بعد جبهة المعارضة لكامب ديفيد.
وتحدثت حفيدة إسماعيل صدقي باشا عن "إيجابيات" المعتقل، قائلة أنها تتمثل في الناس فسجن النساء صورة مصغرة من المجتمع المصري بأشكاله . واندهشت لمنطق إحدى الفتيات اللاتي ضبطن في قضية آداب ، ولكنها مع ذلك غضبت حينما عرفت أن أمينة حصلت على وردة من السجانة ! وأرادت أن تقول أن حتى هذه الفتاة رأت في هذا العمل غيابا للشرف .
أما القاتلات اللاتي يحكم عليهن بالمؤبد عندما تسمع حكاياتهن تجد منها الكثير في غاية الغرابة والإنسانية معا ، فمنهم واحدة مثلا تزوجت وعمرها 12 سنة وعندما بدأت تنضج تجد أن زوجها يجعلها تطبخ وتصنع الحلويات لزوجته الأخرى، فقتلته !.
صداقة السجن
وأضافت: لولا السجن ما كنت أستطيع التعرف بهذه الفئة من المجتمع، وكنا نستغرب من كل شىء نسمعه وقد وجدنا عالم مليء بالإنسانية وهذا علمني الكثير. كذلك الصداقة عشتها بالسجن وكنا ننميها ونعمل أعياد ميلاد مزيفة لنا ولأولادنا.
وتذكرت د. أمينة عندما كان يقوم د. شريف حتاتة بإحضار صابون برائحة وشاي للدكتورة نوال السعداوي ، وأضافت" كنا أربعه المفروض أننا علمانيات، و6 بنات مسلمات وصافيناز كاظم والتي كانت توقظنا بمجرد أن ننام في الثالثة صباحا، لنصلي الفجر".
وتعود لتؤكد على بشاعة تجربة السجن ورغم ذلك كان لكل واحدة طريقتها في مواجهة هذه التجربة فالدكتورة لطيفة الزيات كان يمكنها أن تظل مستيقظة طول الليل، ودكتورة عواطف عبد الرحمن عندما تحدث مشكلة تنام.
وتعلق د. أمينة: كانت تجربة مهمة جدا وساعدتني أن أحل أكثر من مشكلة أولها هويتي حيث كنت اتساءل كثيرا هل أنا مصرية أم أوروبية أم "هجين" ففهمت إنني مصرية، المشكلة الثانية إنه كان عندي أحلام بأن أري مجتمع بلا طبقات، ورغم إنني لم أعاني من أي قهر بل كان عندي عائلة ليبرالية، لكن كانت عندي دائما فكرة رفض الطبقية.
واختتمت أمينة رشيد قائلة: خرجت من السجن بقناعة صلبة بأنني أستطيع إيجاد طريقي والتحرر من الزيف أو الوصولية وأن الإنسان يعيش نفسه بأكبر حرية ممكنة، وانتهت بكلمة لجان جاك روسو تقول "يولد الإنسان حرا وفي كل مكان نراه في الحديد".
الأربعاء أكتوبر 21, 2009 1:56 am