http://www.gam3aonline.com/uploads/rashoa293426476110659883691.jpgالشيخ كشك رحمه الله كان لديه عبارة دائما ما يرددها في خطبه و يتندر فيها على موظفي الحكومة فيقول :" إذا أردت أن تنجز فعليك بالوينجز" ، والوينجز هي نوع من انواع السجائر التي كانت منتشرة في مصر خلال فترة السبعينات . والمقصود ان تضع سيجارة في مكتب الموظف الذي تتعامل معه حتى ينجز لك طلبك ...بمرور الأيام تطورت السيجارة واصبحت علبة سجائر ثم هدية قيمة وأخيراً وصل الأمر إلى مليون جنيه كما ورد في أوراق قضية المستشار ماهر الجندي
وفي السنوات الأخيرة رصدت منظمات دولية مهتمة بالشفافية تفشي ظاهرة الرشوة في مصر وجاءت مصر في مرتبة متدنية من حيث درجة الشفافية حيث حصلت على (3.4) في الوقت الذي حصلت فيه بعض دول كالسويد على (9.7)
والرشوة في مصر غالباً لا تأخذ صورة الحصول على حق غير مشروع ،لكنها في احيان كثيرة تأتي في اطار الحصول على حقك الذي لن تستطيع ان تأخذه إلا بعد دفع الرشوة ،وإلا سيقوم الموظف في حالة عدم دفع الرشوة بتأخيرك وتعطيلك وعرقلة مصالحك .
فمحمود حسن مواطن يقول لنا انه ذهب لاستخراج رخصة القيادة وعند ذهابه وجد موظف الأرشيف المختص بإخراج ملفه يرفض الاستجابة لطلبه ويماطله ،وعندما ادرك الموظف أن محمود لا يستطيع إدراك السبب في عرقلته فرك الموظف اصبعيه السبابة والوسطى بأصبعه الأبهام في أشارة إلى المال ففهم محمود وأعطاه خمسة جنيهات فأخرج له الموظف ملفه في دقيقة واحدة .
محمود قال لنا أيضاً إن السائق الذي يركب معك في اختبار القيادة يجب ان تعطيه عشرون جنيه حتى لا يربكك أثناء الأختبار ويتسبب في رسوبك فيه ، وهو شيء يعرفه كل القادمين على اختبار القيادة في مصر .
الأمر لم يتوقف فقط عند موظفي الحكومة كما يقول لنا أحمد عبد المؤمن بل وصل إلى الشرطة فأحمد يقول إن كل قائد سيارة نقل عليه ان يدفع عند عبوره كل مزلقان سكة حديد أن يدفع نصف جنيه للعسكري حتى لا يقوم بتحرير مخالفة ظالمة له .
اما محمود صابر فيقول أنه ذهب إلى احد الشواطئ المفتوحة في الساحل الشمالي فوجد اثنين من جنود أحد المواقع العسكرية القريبة من الشاطئ يتوجهون له ويطلبون منه ان يحضر تصريحا من وحدة القيادة القريبة لكن محمود أكتشف عند ذهابه لأحضار تصريح من مقر القيادة الذي وصفه له الجنود أن مقر القيادة هذا وهمي وليس له وجود وأن العملية ليست إلا محاولة من الجنود لاخذ رشوة منه فأعطى لهم عشرون جنيه فأنصرفوا وتركوه .
لكن البعض يلتمس اعذاراً لهؤلاء الموظفين والجنود بسبب ضعف مرتباتهم حيث لم تترك لهم الحكومة خياراً آخر غير التحايل لأخذ الرشوة ، فالجندي الذي يقف لتنظيم المرور يبلغ مرتبه خمسة وستون جنيه فقط لا غير ( 11.3 دولار امريكي ) والكثير من الموظفين امضوا سنوات طويلة في الوظيفة الحكومية ومازالت مرتباتهم لا تكفيهم للعيش في حياة كريمة .فبعض الموظفين ورغم انه في الوظيفة منذ خمسة وعشرين عام إلا ان راتبه خمسمائة جنيه فقط ،ويرون أن الدولة إذا اعطت الموظفين رواتب جيدة فإنهم لن يضطروا للتعامل بهذه الطريقة مع الجمهور
الصغار فقط ليسوا هم من يرتشون لكن الكبار ايضا كان لهم نصيب كبير في الكعكة وتم الكشف على قضايا رشوة تورط فيها مسئولين كبار لعل ابرزها كان القضية التي تورط فيها ماهر الجندي محافظ الجيزة السابق حيث تم اتهامه بتلقي رشوة بمبلغ مليون جنيه من احد رجال الأعمال ،اما عبد الرحمن حافظ رئيس مدينة الإنتاج الإعلامي والذي يواجه اتهامات بالفساد والرشوة والتي ادت إلى تضخم ثروته حتى وصلت إلى 20 مليون جنيه .
وأماني ابو خزيم مذيعة الأخبار في التليفزيون المصري تمثل حالياً امام القضاء بتهمة تسهيل الرشوة
اما المستشار إيهاب محمد رئيس محكمة الإسماعيلية الابتدائية فقد تم اتهامه بتقاضي رشاوى بمبلغ 100 ألف جنيه لكن المستشار توفي قبل صدور الحكم عليه .
أما رئيس مباحث مركز شرطة مشتول السوق فقد تمكنت النيابة العامة من الحصول على تسجيل صوتي له وهو يهدد احد تجار المخدرات بأنه سيفضحه في حالة عدم تقاضيه رشوة خمسة وعشرون الف جنيه .
الفساد في المحليات للركب.
الفساد المستشري في القطاعات الحكومية بلغ ذروته في أجهزة المحليات الأمر وهو ما عبر عنه زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية والنائب في مجلس الشعب في إحدى جلسات المجلس أن الفساد في المحليات وصل للركب .
وتقول إحصائيات إن مقدار الرشوة المدفوعة في المحليات ما يقدر بـ 3 ملايين جنيه يومياً بل إنه في عام واحد تم القبض على اثنين من رؤساء احد الأحياء بالإسكندرية .
ويقول أحد المستثمرين في مجال المقاولات " طلب عدم ذكر أسمه " إن هناك تسعيرات محددة للرشاوي ..فرخصة البناء تبدأ تسعيرتها من خمسة آلاف جنيه إذا كان البناء بسيطاً وتزيد لتصل عشرات الآلاف إذا كان المبنى في حي راقي ، ويقول أيضا انك تستطيع مخالفة قوانين البناء اساساً والبناء بدون رخصة والقيام بالتعلية بدون رخصة لكن في هذه الحالة ستتضاعف الرشوة حتى أنها قد تصل إلى مائة الف جنيه في بعض الأحوال .
وتبلغ عدد قضايا الفساد التي تم عرضها على النيابة الإدارية عام 2005بخصوص وقائع فساد مالي ورشوة طبقاً لتقرير للجهاز المركزي للمحاسبات حوالي 60 ألف قضية تم تحويل ما يزيد عن 500 قضية منها إلى النيابة العامة أغلبها قضايا رشوة بملايين الجنيهات ، وبالمقارنة بعام 1981 فإن قضايا الرشوة بلغت في هذا العام 94 قضية لا غير .
كما يرى بعض المحللين أن قضايا الرشوة التي تم ضبطها حتى الآن لا تمثل أكثر من 5% من أجمالي حالات الرشوة ,وأن اكثر من 95% من الحالات لم يتم ضبطها .
ومن الناحية الرسمية فإن الأصوات تعالت في الحزب الوطني الحاكم مطالبة بمحاربة الفساد ومحاولة تحقيق الشفافية وعلى رأس المطالبين كان الدكتور حسام بدراوي الذي طالب بفتح فرع رسمي لمنظمة الشفافية الدولية في مصر ..لكن الدكتور احمد صقر عاشور الدكتور بكلية التجارة جامعة الإسكندرية والذي يبرز اسمه كممثل لمنظمة الشفافية الدولية في مصر شكك في هذا وقال إن الأمر في بعض الأحيان عبارة عن محاولة تحقيق مكاسب سياسية من البعض ليس أكثر وقال أيضاً أنه من الصعب التفرقة بين المزايدات السياسية والنية الحقيقية للأصلاح " .
وعن استفحال هذه الظاهرة قال " د. أحمد المجدوب الخبير بمعهد البحوث الاجتماعية الجنائية لجريدة العربي الناصري إن الإنسان الذي يعمل كموظف عام عين بمرتب محدد سلفا مقابل أن يعمل على خدمة المواطنين وباستيلائه على هذا المال يكون قد أخل بالثقة التى وضعها الناس فيه أو أؤتمن على مصالحهم وبدلا من أن يؤدى أمانته استغلها لتحقيق مصالح شخصية ضيقة، وهو هنا يكون كالبلطجى يفرض طلبات بالقوة كل ما فى الأمر أن البلطجى يعمل فى الشارع، أما هذا الموظف فيعمل من خلال مكتبه، وهو ما يجعل الناس تفقد ثقتها فى كل المصالح الحكومية.
وعلى الرغم من الجدل الدائر والحوارات والنقاشات تبقى الرشوة واقع يتجسد في المجتمع المصري ولا يجد له رادع في اغلب الأوقات
الأربعاء أكتوبر 21, 2009 3:23 am